عاتب نفسك اولا....

بسم الله الرحمن الرحيم
عندما نعاتب أصدقائنا ولا نعاتب أنفسنا..

علمتني الحياة أن أراجع كل شيء يخصني..
كل شيء يحتاج المراجعة والتفقد والبحث وربما التجديد أو الحذف أحيانا..ً

هكذا يجب أن أكون وهكذا أنصح كل من يتقبلون كلماتي..
لكن لا تظن أن قراءات بين سطوري أن قرار صدقاتي لا يحتاج إلى مراجعة
وتفهم
من ذلك أنني أتناقض مع نفسي..لا..الصداقة ليست متاع يتلفه الزمن ..أو رصيد
يفنيه الإنفاق..الصداقة ليست مشروعاً قيد الإنشاء أو سلعة تحت التجربة..
ـــالصداقة ليست عدسة لاصقة للزينة نستغني عنها في أي وقت بل هي عيناً نرى بها كل شيء وبدونها لا نرى شيء.. ..

الصداقة شيء نفيس وضع في مكاناً عالي ..المسافة إليه بعيدة والسفر إليه شاق
هي
كـ الكنز في قمة شامخة عاليه ودون القمة انحدار الطريق التي قد تزل القدم
فيهوى الصاعد ليلقي بنفسه في القعر المظلم ليهلك نفسه وتضيع أحلامه..
الصداقة مشتقة من الصدق .. من كان يفهم الصداقة أنها أقل من ذلك فهو واهم. ..
ــــ
والجميل فيها هو أن يحب الناس صداقتك لا أن تحب صداقتهم ..وقد يرى أي شخص
أن لا فرق بين أن تحب صداقة الناس أو أن يحب الناس صداقتك لأن الغرض هو
إيجاد صداقة وأصدقاء وقد تحققت ولا يهم أن كان الساعي لها أنا أو غيري
الأهم إنها قد تحققت ..فأقول لا بأس بذلك إذا تحققت الصداقة بكل معانيها
ولكن الحقيقة أن الفرق كبير..وكبير جداً!!!
أتدري لماذا؟؟لأنك عندما
تحب صداقة شخصا ما ..يدل هذا أنك وجدت فيه صفات طيبة جعلتك تطلب صداقته
وتحب صحبته وهكذا كل الأصدقاء الذين تحب صداقتهم والمطلوب مني ومنك أن
نتحلى بتلك الصفات لكي يكون لنا أصدقاء يفخرون ويحبون صداقتنا وأنا واثق
إننا قادرون..نعم واثق,,,
وقفة مهمة
عندما نفهم الصداقة بشكل خاطئ ...فندخل إليها مسارعين ونخرج منها كذلك ..
قد
لا أختلف معك في سرعة الدخول فرب أشخاص تستهوهم قلوبنا فتجدنا ننجذب إليهم
سريعا وذلك لما يتحلون به من صفات رائعة لا نستطيع معها إلا اللحاق بركبهم
والتحليق في فلكهم ولكن المشكلة هي سرعة الخروج...

عندما نفهم الصداقة بشكل خاطئ ...
ترانا
نهرب من دنيا الذي صادقنهم و الصح هو أن نبقى.. لأن البقى ليس ضعفا ولكنه
فضيلة.. أن البقى لا يدل على أنك لست صاحب حق وصديقك العكس بقدر ما يدل
على أنك تؤثر الصداقة على كل ماسوا ها...
..

عندما نفهم الصداقة
بشكل خاطئ ...نكون أكثر عناداً وربما أكثر مكابرة ونزعم حينها أننا فقط
نثبت لأصدقائنا أننا لم نقصد جرحهم أو نثبت لهم قوة الجرح الذي جرحونا..
والحقيقة أن الأكثر عناداً هو الأقل صداقتاً والأقل بذلاً في سبيل
الصداقة...

عندما نفهم الصداقة بشكل خاطئ ...نلجئ للعتاب قبل أن نطلب السبب ونعلن الرحيل من دنيا أصدقائنا أو نعلن طردهم من دنيانا ..
أن الذي يجب علينا هو أن لا نتخلى عن أصدقائنا كلما حصل بيننا أبسط الاختلافات أو حتى أشده ..
أن الذي يجب علينا هو أن نعلم أن الصداقة تضحية فلماذا لا أكون أول من يضحي في سبيل أن تبقى صداقتي..لماذا؟؟؟
أن
الذي يجب علينا هو أن نقيس الخلاف وحجمه بحجم من نصادق فهل يعقل أن تكون
زلة لسان تودي بصداقة بنيناها في أيام وشهور وربما سنين ..وتكون هذه الزلة
مسح شخص من ذاكرة صداقتنا بكل جمال الماضي وروعته ..بالطبع لا..فلماذا
نكابر أحياناً ولا نود الاعتراف فيما إذا بدر من قبلنا من هذه الزلات ولما
لا نعفو أن كان أصدقائنا هم من بدر منهم..

هل يعني ذلك أن صدقتنا مع بعض الأشخاص أقل من الاعتراف بزلة لسان أو أقل من التجاوز عن تلك الزلة؟؟؟

اعترافات مني شخصياً :من أعجب صدقاتي وأوفاها..
صادقة شخص قبل أن أعرفه وصادقني هو كذلك قبل أن يعرفني!!!
مهلاً لا تتعجبوا...
قبل
عشر سنوات تقريبا أي في بداية العشرينيات من عمري وفد إلينا مجموعة من
الشباب أصحاب الدين والخلق فأحسنا استقبالهم وقمنا بخدمتهم وكانوا يتحدثون
دائماً عن شخص ومن الإسهاب في الحديث عن ذلك الشخص أحببته وتمنيت مقابلته
وصداقته..

فلما رجع أولئك الشباب إلى مدينتهم تحدثوا عن ما قدمناه
لهم من حسن ضيافةً واستقبال وذكروا لذلك الشخص بعض صفات القوم من حينا
وأظنهم قد أطنبوا في وصفي لذلك الأخ وكل هذا يعود لما يتحلون به من صفات
عاليه أما أنا ما اظنني عملت إلا ما يجب علي نحو شبابا مثلهم..

المهم كان هذا الرجل في شوق إلى مقابلتي والالتقاء بي فلم يطيق صبرا فحلق نحوي جواً ولم أدري إلا وهو متواجد في داري ..
كل الذي حصل أنني قمت بما يجب على نحوه ..ولكن!!
كانت أحوالي المادية صعبة فلم أستطيع إكرامه على القدر الذي يستحقه..

المهم ذهب الرجل شاكراً وداعياً وممتنا..
فكان
يبعث إلى الهدايا ورسائل الشكر والدعاء والتقدير حتى تمنيت أن يعود كي
أبالغ في إكرامه....وفعلاً عاد وكان لي بفضل الله ما أردت..
أكرمته حتى طبت نفسا ..
فعجز
عن شكري مشافهه فكان يبعث إليّ رسائل في الجوال عبارة عن أبيات شعرية
جميلة فيها من الدعاء الجميل والعجز عن شكري وأمنيته من خلال أبياته
مقابلتي في الجنة وفي الدنيا أن نذهب للحج سوياً وبالرغم أنه شاعر ومن
طراز فريد إلا أنني أكرمته بأبيات جميلة اعترف لي أنها من أجمل ما أطلع
عليه فحمدت ربي كثيراً.. وما هي إلا شهور وحان موعد الحج لبيت الله الحرام
وساقتنا الأقدار وهناك التقينا فقويت صداقتنا حتى صار أغلى ما في دنيتي من
الأصدقاء وأحسب أنني بلغت عنده كذلك..
المهم قبل ثلاث سنوات تقريبا
تقابلنا بعد فراق دام شهور ولا تسل عن حالنا وكيف كان لقائنا.. فقد قابلته
ليلاً في الظلام الحالك حين انطفأت أنوار التيار فأنشدت قائلاً
يا دوحة المشتاق عني خبري أني لقيت صديق عمري في الدجى
فلمست كفه ثم هاجت ادمعي وشممت عطره حين كان الملتقى
ما أجمل أن تتشابك دموع المحبين وما أروع أن تجد صديقاً يفهم ماذا تريد دون أن تسأله..

المهم يا سادة أني أعترف أمامكم أن صديقي كان أوفى مني في محبته وصداقته..


أتحبون أن تعرفون كيف ؟؟
طلب
مني ذات يوما أن أهجوه شعراً فامتنعت عن ذلك ..فترجاني وقال لي سأرد عليك
وقال لي كلاماً ما معناه أنه يريد أن نخرج من الرتابة التي نعيشها في
صدقاتنا وندخل في جو ملئ بالإثارة والتنافس والمحبة والتشاجر اللطيف ومثل
هذا الكلام..
المهم أخذت قلمي وهجوته بثلاثين بيتاً ولا أخفيكم أني حاولت قصار جهدي أن اشوه الصورة الواضحة إلى أقصى حد !!!
فرد
علي رد قريب من ردي ..وبعدها أتضح لي أنه كان قد هجاني بأبيات قوية لكنه
رفض أن أطلع عليها ..لقد فكر حينها أني لا أستحق أن يهجوني بتلك الأبيات..
بل
لقد فكر أن الصداقة لا تستحق أن نطعنها برماحنا حتى ولو كنا مازحين بينما
لم أفكر بذلك.. أنا وسعيت بكل جهدي أن أكون منتصرا ويكون مهزوماً لقد كان
أكبر مني وتعلمت منه أشياء كثيرة ..وتعلمت من ذلك الخطاء أننا قادرون أن
نتنكر لأصدقائنا في أي وقت وقادرون على أن نشوه صورهم ..فمادام أنني
استطعت أن أصنع من الخيال أسطورة ومن المزح هجاء.. فكيف لو دخل الشيطان
وصنع من الباطلِ حقا ومن الغلطِ صوابا..

اعتراف أخير
صديق أخر
صادقته وعرفت جميل صفاته وفي يومٍ من الأيام أتصل بي فأخبرته عن سر
اختفائي فعذرني ودارت الأيام وسأل عن حالي فأخبرته أن كل شيء على ما يرام
غير أنني متعباً بعض الشيء فبعث إلى بمبلغ من المال ولم أكن أحتاج حينها
أي شيء فامتنعت عن أخذ ذلك المال ..فا أنا لا أحتاجه أصلاً وثانيا لا أحب
الصداقات التي تبنى على المصالح لكن عندما رأيت الإلحاح الشديد رضخت لطلبه
واعتبرت المبلغ قرضاً..
وبعد فترة حاولت أن أرد له المبلغ لكنه عاتبني
بشدة وأنكر على حتى تمنيت أني لم أقل له كلمه فجزاه الله عني خير
الجزاء..المهم مرة أخرى حدثت الطامة وطعنت صداقتي بخنجر لكنه أشد حده من
ذي قبل..والسبب أني رحلت لمكان بعيد لكي أتعالج ووفرت من المال الذي ظننته
سيكفي للرحلة ولكن تفاجأت فكل شيء سعره باهظ ومختلف وما هي إلا أيام
فاتصلت ببعض أصدقائي فاستجابوا ولكن بمبالغ لم تكن كافية وادخرت ذاك
الصديق لوقت الضيق ..وجاء الوقت الذي لا أستطيع البقى من دون مال فا أنا
بعيد ولا بد أن تكون رحلة علاجي مكتملة ولا بد أن أعرض حاجتي على أدنى
صديق فكيف بذاك الصديق.. نور العين وسعادة القلب ..المهم أخبرته فقال لي
أبشر.. أعطني المعلومات الذي تحب أن أحول لك المبلغ عليها فانبلجت أساريري
وغمرتني السعادة وحمدت ربي كثيراً ومن وقتها علمت بل تيقنت أن المبلغ
سيأتي لا محالة ..فقط مجرد وقت بسيط فقمت لترتيب عملي ومتابعة فحوصاتي
وأنا لا أعتبر المبلغ في الطريق إليّ بل اعتبرته في جيبي..
وعندما لم
يكن لديّ إلا حق وجبة واحدة تقريباً وصلني خبر ألاعتذار من صديقي فمن شدة
حبي له وثقتي به وشدة ما أنا فيه أسوّدت الدنيا في وجهي وأظلم ألكون في
عيني فلم أتمالك نفسي فأرسلت له رسالة قاصية عاتبته بقسوة لا لا ..سامحني
الله بل والله بوقاحة
ولم يغفر له عندي أي شيء من الماضي نسيت بهول
الصدمة كل شيء لم يغفر له أنه يوما عرضا علي المال دون أن أسأله أفيبخل
على وقد سألته ..مستحيل..ولكن هي حماقتي التي جعلتني أتودد له إلى اليوم
فقط.. لا لشيء وإنما لأني جرحته ولأني نسيت فضله ولأني اتهمته وأتودد له
فلعله يأتي اليوم المناسب فيغفر لي فعلتي النكراء..

أصدقائي وأخواني.. المكابرة لا تليق بصديق والعقوق لا يليق بابن ..
والاعتراف لا ينقصك شيء بل يزيدك في عين صديقك محبه وثقة..
والتنازل لا يدل عن ضعفك وإنما يدل على قوة صداقتك وبذلك